سورة التوبة - تفسير تفسير ابن عجيبة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التوبة)


        


{قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ}
ثم ذكر سبب إبطال عملهم وصدقاتهم، فقال: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بالله وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصلاة إِلاَّ وَهُمْ كسالى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ}
قلت: {أن تُقبل}: بدل من ضمير (منعهم)، أو على حذف الجار، و{إلا أنهم كفروا}: فاعل، أي: وما منع قبول نفقاتهم، أو من قبول نفقاتهم، إلا كفرهم بالله وبرسوله، ويحتمل أن يكون الفاعل ضميراً يعود على الله تعالى و{إنهم} مفعول من أجله.
يقول الحق جل جلاله: {وما منعهم}؛ وما منع المنافقين من قبول نفقاتهم وأعمالهم {إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله}؛ إلا كُفرهم بالله وبرسوله، أو: ما منعهم الله من قبول نفقاتهم إلا لأجل كفرهم بالله وبرسوله، وكونه {لا يأتُونَ الصلاةَ إلا وهم كُسَالى}؛ متثاقلين، {ولا ينفقون إلا وهم كَارِهُون} أي: لا يُعطون المال إلا في حال كراهيتهم للإعطاء؛ لأنهم لا يرجون ثواباً ولا يخافون بتركها عقاباً، فهم يعطون ذلك رياء ونفاقاً.
الإشارة: لا يتقبل الله إلا عمل المخلصين، إما إخلاص العوام؛ لقصد الثواب وخوف العقاب، أو إخلاص الخواص؛ لإظهار العبودية وإجلال الربوبية، وعلامة الإخلاص: وجود النشاط والخفة حال المباشرة للعمل، أو قبلها والغيبة عنه بعد الوقوع، والله أعلم.


يقول الحق جل جلاله: {فلا تُعْجِبُكَ}، أيها الناظر إلى المنافقين، كثرةُ {أموالهم ولا أولادهم}؛ فإن ذلك استدراج ووبال لهم {إنما يريد اللَّهُ ليُعذِّبَهم بها في الحياة الدنيا}؛ بسبب ما يكابدون في جمعها وحفظها من المتاعب، وما يرون فيها من الأمراض والمصائب، أو ما ألزموا به من أداء زكاتها، مع كونهم لا يرجون خَلَفها {وتَزْهقَ أنفُسُهم وهم كافرون}؛ فلا يستوفون التمتع بها في الدنيا؛ لقصر مدتها، ولا يجدون ثواب ما أعطوا منها؛ لعدم إيمانهم. وأصل الزهوق: الخروج بصعوبة، لصعوبة خروج أرواحهم، والعياذ بالله.
الإشارة: ينبغي لمريد الآخرة ألا يستحسن شيئاً من الدنيا، التي هي مدْرجة الاغترار، بل ينبغي له أن ينظر إليها وإلى إهلها بعض الغض والاحتقار، حتى ترتفع همته إلى دار القرار، وينبغي لمريد الحق تعالى ألا يحقر شيئاً من مصنوعاته، ولا يصغر شيئاً من تجلياته، إذ ما في الوجود إلا تجليات العلي الكبير، إما من مظاهر اسمه الحكيم، أو اسمه القدير، فيعطي الحكمة حقها والقدرة حقها، ويتلون مع كل واحدة بلونها، وبالله التوفيق.


قلت: الفَرَقُ: الخوف، و{مُدَّخلاً}: أصله: متدخلاً، مفتعل من الدخول، قبلت التاء دالاً وأدغمت.
يقول الحق جل جلاله: {ويحلفون} لكم {بالله إنهم لمنكم} أي: من جملة المسلمين، {وما هم منكم}؛ لكفر قلوبهم، {ولكنهم قوم يَفْرقُون}: يخافون منكم أن تفعلوا بهم ما تفعلون بالمشركين، فيظهرون الإسلام تقية وخوفاً {لو يجدون مَلْجأً} أي: حصناً يلتجئون إليه، {أو مَغَاراتٍ}؛ غيراناً، {أو مُدَّخلاً}؛ ثقباً أو جحراً يَنجَحِرُون فيه. وقرأ يعقوب: {مُدخِلاً}؛ بضم الميم وسكون الدال، أي: دخولاً، أو مكاناً يدخلون فيه، {لَوَلّوا إليه وهم يجمحون} أي: يُسرعون إسراعاً لا يردهم شيء كالفرس الجموح.
الإشارة: قد يتطفل على القوم من ليس منهم، فيظهر الوفاق ويبطن النفاق، كحال أهل النفاق، فينبغي أن يستر ويُحلُم عليه، كما فعل عليه الصلاة والسلام بالمنافقين، تلطف معهم في حياتهم، والله يتولى سرائرهم، بالله التوفيق.

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12